بسم الله الرحمن الرحيم
أصحاب الفخامة والسمو،
أصحاب المعالي والغبطة والسعادة،
حضرات السيدات والسادة الضيوف الكرام،
السادة مديرو الجامعات وأعضاء هيئة التدريس،
أبنائي الخريجين وبناتي الخريجات،
يسعدني أن ألتقي بكم اليوم للاحتفاء بتخريج الدفعة الأولى من طلاب كليات المدينة التعليمية. لقد بدأنا نجني ثمار مشروع وطني طموح للتعليم غايته غرس جذور المعرفة وتعزيز الدور الاستراتيجي للعلم في بناء الوطن والمواطن. وقد كانت مساهمة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع واضحة في بلورة هذا المشروع. فاستطاعت من خلال خططها وبرامجها توفير البيئة الملائمة لإعداد مواطن قادر على الاستفادة من أحدث المعارف، متمكن من أدوات الوصول إليها. وبنفس القدر معتز بهويته وانتمائه الحضاري، منفتح على الآخر فيتأثر به ويؤثر فيه. ساع بكل التزام وتفان لبناء مجتمع عصري متطور. مواطن منتج لا مستهلك فقط، متفاعل مع مجتمع يصبو إلى بناء عالم يسوده الأمن والطمأنينة.
لذلك، نحن فخورون بهذه الكفاءات الشابة الواعدة التي تؤكد المدينة التعليمية من خلالها أنها باتت جزءا لا يتجزأ من مشروعنا التعليمي الوطني، تتكامل وظيفتها مع جامعتنا الوطنية وكافة مكونات بنيتنا التعليمية في جميع مستوياتها لتشكل السبيل الأمثل للنهوض بقطر وتلبية تطلعها نحو التنمية الإنسانية المستدامة.
حضرات السيدات والسادة،
لقد أولينا التعليم كل ما يستحقه من عناية وسخرنا له كل الوسائل المتاحة، إيماناً منا بأن الاستثمار في التعليم والبحث العلمي مهما عظم، سيبقى عائده البشري أعظم وأثمن.
وقد حرصنا ولا نزال على تنويع مكونات منظومتنا التعليمية حتى تتاح لأبنائنا وبناتنا من الطلبة سبل مختلفة للحصول على المعرفة والنهل منها بما يتناسب مع ميولهم واستعداداتهم. والمدينة التعليمية واحدة من أبرز تلك السبل. وقد كان وسيظل جلياً في تصورنا أن نرسخ هذا التنوع كواحد من أهم سمات مشروعنا الوطني للتعليم. وذلك المشروع الذي لا يميز بين تعليم دولي وآخر محلي.
فهو مشروع منفتح لا يقوم على ازدواجية أو على إعلاء لمصدر للمعرفة على حساب آخر, وإنما يستند إلى إيمان ثابت بأن تطوير التعليم يتطلب الخبرات المحلية والعالمية معاً، وأن الغاية منه تكمن في الاستفادة المثلى من كافة المصادر المؤهلة للعطاء العلمي الرفيع.
وتلك القناعة هي ما حتم اعتماد مشروعنا الوطني للتعليم مبدأ الجودة وذلك باستحداث مراكز تعليمية قادرة على الارتقاء بمستوى طلبتنا في جميع مراحل التعليم، وأن تصل بخدماتها إلى أوسع قاعدة اجتماعية ممكنة. إن رؤيتنا لتطوير التعليم لم تنبن قط على منظور نخبوي ضيق يقصر الوصول إلى نور العلوم على فئة بعينها.
وإنما حرصنا على إفساح المجال لكل أبنائنا من الطلبة، إرساءً لمبدأ المساواة في الفرص. وذلك لإيماننا العميق بالحقوق الدستورية للمواطن وبأن الحق في التعليم مكفول للجميع، وأن الارتقـاء في درجات العلم لا يجب أن تحدد على الإطلاق بالمال أو بالانتماء الاجتماعي بقدر ما يجب أن يرتقي إليها كل فرد حسب ما يتفانى في بذله من جهد من أجل تحصيل المعرفة وامتلاك ناصيتها.
وليس أدل على ذلك من حرص المدينة التعليمية على فتح أبواب جامعاتها للطلبة الأكفاء من أبناء الوطن من الجنسين من مختلف مدارس المرحلة الثانوية في بلدنا، إلى جانب الطلاب المتميزين الذين قدموا من جنسيات مختلفة. وهو ما أتاح تنويع القاعدة الطلابية، وأهل المدينة العليمية كي يتلاقى من خلالها أبناء مختلف الثقافات والحضارات، وأن تشكل أحد الجسور القوية التي تربط قطر بمحيطها العربي والإسلامي والعالمي.
أبنائي الخريجين وبناتي الخريجات،
إنكم مقبلون على مرحلة جديدة ستكون محكاً تختبرون من خلاله ما تراكم لديكم من معرفة، عليكم أن تعملوا على تطبيقها في شتى ميادين الحياة. وإني لأتطلع أن تثبتوا في المستقبل القريب أنكم كما كنتم متميزين في صفوف الدارسة ستكونون بإذن الله متميزين في مواقعكم المهنية الجديدة كمشاركين فعالين لتعزيز مسيرة التنمية والتطوير.
لقد عقدنا العزم على حسن استثمار كافة ثرواتنا الطبيعية والبشرية للانتقال نحو اقتصاد تنافسي مبني على المعرفة، وندرك تماماً أن هذا الاختيار الاستراتيجي يمثل في حد ذاته تحدياً ورهاناً لا يستهان بهما.
فهذا الاختيار يقتضي انتهاج خطط للتطوير المستمر لمنظومتنا التعليمية وتوفير بيئة جاذبة للكفاءات المبدعة في العلوم والتكنولوجيا، وتحفيز القطاعين العام والخاص على الإبداع والابتكار، ثم في مستوى آخر إصلاح هياكل الإدارة حتى تنسجـم مع استيعاب قوى عاملة وطنية على أساس الكفاءة والقدرة والنزاهة والابتكار.
ولذلك فالطريق أمامكم يا أبناء وبنات هذا الوطن الغالي مفتوح. لكن عليكم التحلي دوماً بروح المثابرة، كما عليكم أن تقبلوا بمبدأ المنافسة حتى تبلغوا مواقعكم المهنية عن جدارة واستحقاق. وإني لأتوقع لكم النجاح. فاقتصاد بلدنا ينمو بسرعة عالية، وسوق العمل يتسع، والفرص تتزايد، خاصة أمام الشباب وبالذات في قطاع الصناعات والخدمات المكملة والمساندة واللاحقة لصناعاتنا الأساسية. هذا فضلاً عن التسهيلات التي تتيحها الدولة لأبنائها وبناتها في القطاع الخاص والمهن الحرة إيماناً بأن المبادرات الذاتية يجب دعمها باعتبارها رافداً يضيف إلى إنتاجية الوطن ورقيه.
أتمنى لكم جميعاً كل التوفيق وأدعوكم أن تبقوا في المستقبل جسراً بين مواقعكم الجديدة ومدينتكم التعليمية التي احتضنتكم وأساتذتكم الذين رعوكم.
فهنيئاً لكم بما أنجزتم والشكر والتقدير للسادة أولياء الأمور على ما قدموه لكم من دعم ورعاية، ولأساتذتكم على ما أسدوه لكم من نصح وتوجيه.
وأنت يا صاحبة السمو الشيخة أم جاسم،
لك من قطر كل الشكر والامتنان فقد بذلت وما تزالين من تفكيرك وجهدك ووقتك لترتفع هامة الوطن بأبنائه ويتحول مشروع نهضتنا التعليمية إلى واقع حي نفتخر به ونعتز.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.