بسم الله الرحمن الرحيم
حضرات الإخوة أعضاء مجلس الشورى،
باسم الله العلي القدير وعلى بركته وهديه سبحانه وتعالى أفتتح الدور الخامس والعشرين لمجلسكم الموقر.
ويأتي احتفالنا هذا العام متزامناً مع مناسبة غالية وعزيزة على نفوسنا جميعاً هي الذكرى الخامسة والعشرين لاستقلال قطر، فقد مضى على هذا الحدث الوطني التاريخي الهام ربع قرن من الزمان، تغيرت فيه صورة الحياه تماماً في بلادنا. والآن، ونحن نقف على أعتاب حقبة جديدة، نتطلع فيها إلى القرن الحادي والعشرين الذي نريد أن نحقق لأنفسنا فيه المكانة اللائقة بنا، فإنه من الضروري علينا أن نطور تجربة السنوات الماضية لنبني على إيجابياتها، ونتلافى ما يكون قد شابها من سلبيات، ليقوم بناء المستقبل قوياً شامخاً على أسس وطيدة راسخة.
حضرات الإخوة،
ففي مجال تنظيم الدولة، صدر مع بداية عهد الاستقلال النظام الأساسي المؤقت المعدل للحكم في دولة قطر الذي تضمن الأسس الجوهرية لسياستها، وتنظيم السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية فيها، وقواعد ممارسة هذه السلطات لاختصاصاتها الدستورية. وجاءت القواعد التي تضمنها النظام الأساسي المؤقت محققة للغرض المقصود منها في الحقبة الزمنية التي وضعت فيها، ومتلائمة مع متطلبات المجتمع القطري وعاداته وتقاليده، كما جاءت متناسبة مع اعتبارات التدرج التي يتعين مراعاتها.
إلا أننا نرى أنه قد آن الأوان لوضع نظام أساسي دائم يأخذ في الاعتبار ما شهدته بلادنا من تطور في مختلف المجالات خلال الربع قرن الماضي، نعمق فيه تجربتنا الرائدة في المشاركة الشعبية بما يزيد من دورها في رسم سياسات الدولة وتنفيذها، ونعزز به قدرة سلطات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية على أداء مهامها بكفاءة واقتدار بما يرفع من مستوى الأداء الحكومي برمته ويجعله قادراً على القيام بالدور المطلوب منه في أداء الخدمات العامة ودفع عملية التنمية وخدمة المواطنين.
ولقد بدأنا بالفعل، وإلى أن يصدر النظام الأساسي الدائم، في اتخاذ خطوات أساسية في هذا السبيل فقد أصدرنا عملاً بأحكام المادة (21) من النظام الأساسي المؤقت المعدل، الأحكام الخاصة بتوارث الحكم في الدولة استكمالاً للأوضاع الدستورية التي تنظم هذا الموضوع. وتم بعد التشاور مع أهل الحل والعقد في البلاد، وموافقتهم تعيين سمو الشيخ جاسم بن حمد آل ثاني ولياً للعهد، كما أصدرنا في الشهر الماضي قرارات أميرية بتعديل بعض أحكام النظام الأساسي المتعلقة بمجلس الوزراء، والتي شكلت على إثرها الوزارة الجديدة برئاسة سمو الشيخ عبدالله بن خليفة آل ثاني، وقد تضمنت تلك التعديلات قواعد جديدة لممارسة مجلس الوزراء لمهامه بما يكفل زيادة كفاءة العمل التنفيذي وسرعة إنجازه.
وقد حددت لسمو رئيس مجلس الوزراء في كتاب تكليفه بتشكيل الوزارة مهام الوزارة الجديدة وواجباتها المتمثلة في الارتقاء بمستوى الأداء الحكومي باستكمال وتطوير ما بدأناه من برامج وخطط التنمية البشرية والمادية وبإعطائها دفعة جديدة بحيث تضعنا، ونحن على مشارف القرن الحادي والعشرين، على بداية الطريق الصحيح للتعامل مع معطياته واستيعاب منجزاته، وتعزيز ما تحقق من إنجازات في مجال العلاقات الخارجية للدولة، والحفاظ على استقلالية القرار الوطني بما يحفظ المصالح العليا للبلاد. إذ أن التنمية الشاملة هي هدفنا الأساسي وتحقيق التقدم لبلادنا والرخاء لشعبنا، هي أسمى الغايات التي لا بد أن نسعى جميعاً إلى تحقيقها وأن نلتمس لذلك كل الأسباب وأولها تغيير منهج وأسلوب الأداء الحكومي بما يزيد من فاعليته وسرعة تذليل ما يعترضه من عقبات. وفي هذا الإطار نفسه فإننا سنعمل كذلك على مراجعة التشريعات القائمة لتحقيق انطلاقة تشريعية تحرر العمل الحكومي والنشاط الخاص من كل المعوقات.
وإيماناً منا بأهمية الشورى، وبالدور المتميز الذي يؤديه مجلس الشورى في التعبير عن رغبات وآراء وتطلعات المواطنين، والمعاونة في رسم وإقرار السياسات التي تتبناها الدولة ومناقشة التشريعات التي تطرحها الحكومة وإبداء الرأي والتوصيات بشأنها بما يمثل إضافة مثرية للعمل العام ورعاية كاملة للمصلحة العامة التي نسعى جميعاً إلى تحقيقها، فقد أجرينا كذلك تعديلاً للنظام الأساسي المؤقت المعدل، تم بمقتضاه زيادة عدد أعضاء مجلس الشورى من ثلاثين إلى خمسة وثلاثين عضواً في خطوة أخرى على طريق دعم وتعميق المشاركة الشعبية وتدعيم مؤسسات الدولة.
وفيما يتعلق بالسلطة القضائية التي تباشرها المحاكم وفقاً للنظام الأساسي المؤقت المعدل، فقد رأينا ضرورة تطوير عمل المحاكم وتسهيل إجراءات التقاضي بما يكفر سرعة الفصل في القضايا ليصل كل ذي حق إلى حقه وفقاً لقواعد ميسرة، لأن العدالة البطيئة، كما يقولون، نوع من الظلم. وقد انتهت وزارة العدل من إعداد القوانين اللازمة التي تحقق تلك الغايات، وستعرض على مجلس الوزراء ثم مجلس الشورى في القريب العاجل. كما رأينا للغرض نفسه ضرورة وضع قواعد محددة وواضحة لاختصاص كل من المحاكم الشرعية والمحاكم العدلية للتيسير على المواطنين ومنع كل تضارب في شؤون الاختصاص بما يؤدي إلى سرعة تحقيق العدالة، إذ أن عدل القضاء دعامة أساسية للحكم ولا بد من دعم الجهاز القضائي بما يحقق مصالح المواطنين واستقرار المعاملات.
حضرات الإخوة أعضاء مجلس الشورى،
إننا نؤمن إيماناً راسخاً بأن إتاحة الفرصة لحرية التعبير ضرورية فقط لزيادة المشاركة الفعالة للمواطنين في شؤون بلادهم بل إنها كذلك من أهم مقومات نجاح العمل الوطني، وسلامة ما يتخذ في إطاره من قرارات. كما أن الفكر والإبداع لا يزدهر إلا في ظل مناخ يكفل حرية التعبير ولا يضع قيوداً على الفكر، ومن هنا كان قرارانا بإلغاء الرقابة على الصحف، وبحل وزارة الإعلام حتى لا يكون الإعلام إعلاماً موجهاً. وليتسع المجال أمام كل رأي للتعبير نفسه ومناقشة قضايانا بما يحقق في نهاية المطاف مصلحة الوطن والمواطنين.
وفي الإطار نفسه وكما أكدت في كلمتي إليكم في السنة الماضية، فقد أصدرنا القانون رقم (11) لسنة 1996 بتعديل نظام غرفة تجارة وصناعة قطر لتكون العضوية في مجلس إدارة الغرفة بالانتخاب لا بالتعيين، ليكون لهذا القطاع الهام من المجتمع الحرية الكاملة في اختيار القائمين على التعبير عنه ورعاية مصالحه.
كما أعددنا مشروع قانون بشأن المجلس البلدي المركزي، عرض على مجلس الوزراء وسنتخذ قريباً خطوات إصداره، يقضي بأن تكون عضوية هذا المجلس بالانتخاب لا بالتعيين لنحقق المشاركة الكاملة للمواطنين في اختيار أعضاء هذا المجلس والإشراف على أعماله لما لها من اتصال وثيق بشؤون الحياة اليومية للمواطنين.
وسنتابع خطواتنا، بإذن الله، على هذا الطريق لنطور مؤسسات الدولة السياسية، والاقتصادية، والإدارية، والاجتماعية، واضعين بذلك الأسس المتينة لانطلاقة كبرى في شتى الميادين.
حضرات الإخوة،
إن المشكلة الأساسية التي تواجهنا، كما تعلمون، هي ضرورة توفير الموارد المالية اللازمة لتغطية النفقات العامة والمشاريع الإنتاجية الكبرى التي تنفذها الدولة، خاصة في مجالات النفط والغاز والبنية الأساسية، في ظل الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة التي تعرفونها جميعاً الناجمة عن انخفاض أسعار النفط. ورغم التحسن الذي طرأ مؤخراً على تلك الأسعار، فقد بقيت الأبعاد الرئيسية لهذه المشكلة على حالها، خاصة وأن تحسن الأسعار ليس ثابتاً ومضطرداً بل إن التحسن يتبعه عادة هبوط للأسعار، في تذبذب مستمر، لا يمكن معه إجراء تخطيط ثابت يعتمد عليه لفترة طويلة من الزمن.
ولقد وفقنا في السنة الماضية، بعون الله، في التعامل مع هذه الأوضاع القائمة بإجراءات عدة، منها ترشيد الإنفاق العام وضبطه وتخفيف أعباء الجهاز الحكومي.
ورغم هذه الظروف الاقتصادية الصعبة فإن التزامنا بتنفيذ خطة التنمية لم يتأثر، بل إننا حققنا في السنة الماضية، بعون الله، العديد من الإنجازات الهامة، خاصة في مجال الغاز الطبيعي والنفط، فقد تم بحمد الله الانتهاء من إنشاء ميناء رأس لفان الذي يُعد من أضخم موانئ تصدير الغاز المسال في العالم، وسنبدأ في التصدير في شهر يناير المقبل بإذن الله. كما زادت قدراتنا الإنتاجية في مجال النفط مغيرين بذلك الاتجاه التنازلي السابق لإنتاجنا النفطي إلى اتجاه تصاعدي. وبالإضافة إلى ذلك فإن لدينا العديد من المشروعات الإنمائية الهامة التي نقوم بدراستها، خاصة في المجال الصناعي، بغرض تطوير الصناعات القائمة، أو زيادة طاقتها الإنتاجية، أو إنشاء صناعات جديدة. وسنضع البرامج اللازمة لتنفيذ هذه المشروعات تباعاً في السنوات القادمة لدعم وتعزيز اقتصادنا الوطني وزيادة الدخل القومي وتنويع مصادره، ذلك أن وضع القواعد الصلبة لاقتصاد وطني قوي يحقق لمواطنينا ما ننشده من مستوى معيشي مرتفع في الحاضر والمستقبل تأتي في مقدمة أولوياتنا. وقد تلاحظون مثلاً بعض الإبطاء في بعض النواحي غير الأساسية، لكننا في إطار ما ذكرته لكم من أولويات ننأى بأنفسنا عن الإنفاق المظهري، دون إخلال بطبيعة الحال بالمتطلبات الضرورية للمرافق العامة.
حضرة الإخوة،
وإيماناً منا بالدور الحيوي للقطاع الخاص في تحقيق التنمية الاقتصادية فقد عملنا على تهيئة كافة السبل الكفيلة بتطويره وتعزيز مشاركته في الناتج القومي للبلاد، وفي هذا الإطار أصدرنا قانون التنظيم الصناعي الذي يهدف إلى تشجيع مساهمة القطاع الخاص في عملية التصنيع. كما أننا نعمل حالياً على اتخاذ الإجراءات اللازمة لإنشاء بنك التنمية الصناعية وتنفيذ قانون إنشاء سوق الدوحة للأوراق المالية، لما لهاتين المؤسستين من دور فعال في تطوير وتفعيل مساهمة القطاع الخاص في هذا المجال.
وفي إطار تطوير التشريعات الأساسية المتعلقة بالمعاملات وجعلها أكثر ملاءمة لمقتضيات العصر، فقد شكلنا كذلك لجنتين لوضع قانونين جديدين أحدهما للمعاملات المدنية والآخر للمعاملات التجارية، وقد أوشكت اللجنتان على الانتهاء من أعمالهما وسنتخذ قريباً الإجراءات اللازمة لعرض التشريعين على مجلس الوزراء ثم مجلس الشورى لمناقشتهما وإصدارهما.
ولا يكتمل الحديث عن التنمية دون التعرض لأهم مقوماتها وهي التنمية البشرية التي نضعها في المقام الأول من أولوياتنا. ولا شك أنكم تلمسون جميعاً مدى اهتمامنا بتطوير التعليم في بلادنا وحرصنا على توفير جميع الإمكانيات اللازمة لذلك إيماناً منا بأن ما ننشده لبلادنا من تقدم ورفعة مرهون بقدرتنا على النهوض بمؤسساتنا التعليمية وتطويرها. وقد انتهت اللجنة العليا التي شُكلت لمتابعة السياسة التعليمية من إعداد تقريرها ومقترحاتها في ضوء احتياجات المجتمع وتطلعاته المستقبلية وقد بدأنا بالفعل في إقرار واتخاذ السياسات اللازمة في هذا الخصوص على ضوء تلك المقترحات.
حضرات الإخوة أعضاء مجلس الشورى،
وفيما يتعلق بسياستنا الخارجية فقد استمرت دولة قطر في تبني الأسس والمبادئ التي وضعتها لنفسها في إطار التزاماتها الخليجية والعربية والإسلامية، وأولها تعزيز انتمائنا لمجلس التعاون لدول الخليج العربية والحرص على أن تحقق مسيرة المجلس الأهداف التي أنشئ من أجلها في تحقيق التكامل والتعاون والتنسيق بين دولنا بما يلبي طموحات شعوبنا وتطلعاتها المشروعة في التنمية والازدهار. وبهذه المناسبة أود أن أعرب عن بالغ ترحيبنا بانعقاد القمة السابعة عشرة للمجلس الأعلى في الدوحة في شهر ديسمبر القادم آملاً أن تخرج القمة باستراتيجية عملية للمستقبل تمكننا من تحقيق الأهداف والغايات التي تصبو إليها شعوبنا، وترسخ دعائم التنمية، وتعزز أمن واستقرار الدول الأعضاء.
ولقد أكدنا دائماً على ضرورة حل الخلافات بين الدول بالطرق السليمة، ضماناً لأمن واستقرار منطقتنا الخليجية والحفاظ على العلاقات التاريخية بين دولها، ولذا فإننا ندعو إلى حل الخلاف بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإيران حول الجزر الثلاث بالطرق السلمية ومنها الالتجاء إلى القضاء الدولي إذا أخفقت المفاوضات والسبل الأخرى في التوصل إلى حل مقبول.
وفيما يتعلق بمسيرة السلام في الشرق الأوسط وما طرأ عليها من تطورات سلبية، فإننا أكدنا بكل وضوح ضرورة احترام إسرائيل لما أبرمته من اتفاقيات مع السلطة الفلسطينية، وعدم إجراء أي تعديل في الخصائص الجغرافية أو السكانية لمدينة القدس العربية بحدودها المعروفة قبل الرابع من يونيو 1967. وتجميد النشاط الاستيطاني في الأراضي المحتلة، وتحقيق تقدم على المسارين السوري واللبناني حتى يتسنى لمسيرة السلام أن تؤتي ثمارها المنشودة في إقامة السلام الشامل والعادل والدائم وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، ومرجعية مدريد ومبدأ الأرض مقابل السلام. ولا شك أن عدم الالتزام بتلك المبادئ وعرقلة جهود السلام أمر تتحمل الحكومة الإسرائيلية مسؤوليته الكاملة أمام المجتمع الدولي.
حضرات الإخوة أعضاء مجلس الشورى،
أود في ختام كلمتي أن أتوجه إليكم بخالص الشكر على ما بذلتموه من جهد قيم مشكور في معاونة الحكومة على أداء مهامها، وعلى ما أسهمتم به من رأي مخلص وفكر مستنير في كافة الأمور التي طرحت على مجلسكم الموقر، متمنياً لكم التوفيق والسداد في أداء رسالتكم وإعلاء شأن بلدكم وخدمة مواطنيكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.