بسم الله الرحمن الرحيم
أصحاب السعادة،
السيدات والسادة،
الحضور الكرام،
يطيب لي أن أرحب بكم في الدوحة، في بداية أعمال المنتدى العالمي السادس لمكافحة الفساد وحماية النزاهة.
ولا ريب في أن المشاركة رفيعة المستوى في هذا المنتدى، تعكس اهتمام دول العالم بالقضايا المطروحة على المنتدى، وأهمية الدور الذي اضطلعت به المنتديات العالمية السابقة، على الصعيدين الوطني والدولي، في جهود مكافحة الفساد.
فقد حققت تلك المنتديات الكثير منذ المنتدى العالمي الأول، الذي عقد في واشنطن عام 1999، بالرغم من وجود العديد من التحديات التي يتعين علينا مواجهتها. ولا شك أن مثل هذه المنتديات تجسد أهمية التعاون الدولي في التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة، التي اتسع نطاقها على مستوى العالم، فهي قائمة في الدول الغنية والفقيرة والمتطورة وغير المتطورة.
السيدات والسادة،
إن الموضوعات التي ستقومون بمناقشتها، والتي وردت في برنامج عمل المنتدى، تتناول العديد من المسائل الهامة، ذات الصلة الوثيقة بمكافحة الفساد، ومنها على سبيل المثال، الفصل بين السلطات، واستقلال القضاء، وتعزيز ثقافة النزاهة والحفاظ عليها، والشراكة بين القطاعين العام والخاص في بناء مؤسسات مكافحة الفساد. ولا شك أن هذا البرنامج يكشف عن تعدد جوانب المشكلة وتشعبها، فظاهرة الفساد لها أبعاد متعددة، اجتماعية، واقتصادية، وأخلاقية وتعليمية، وثقافية، ودينية وسياسية. ولذلك فإن مكافحة الفساد لا تقتصر على جانب دون آخر، بل هي منظومة متكاملة، يجب أن تحيط بكل تلك العناصر، وتلتمس الحلول المناسبة لها جميعاً. وبغير ذلك تبقى جهودنا قاصرة عن التعامل الفعّال مع تلك الظاهرة. وعندما تخفق الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للدول في توفير الحد الأدنى من الحقوق السياسية والرعاية الاجتماعية، والمستوى اللائق من العيش الكريم لمواطنيها، يصبح الحديث عن مكافحة الفساد ترفاً لا يجد آذاناً صاغية.
وهذه حلقة مفرغة. فالفساد بحد ذاته يمنع التطور إذ أنه يربك المعايير التي تقوم عليها المؤسسات ويستبدل الأهلية والكفاءة بالمحسوبية، ويستبدل الصالح العام الذي تقوم عليه المشاريع العامة بمصالح خاصة تؤدي إلى اتخاذ قرارات تضر بالصالح العام.
الحضور الكرام،
لقد دفع الخطر المتنامي للفساد على المستويين الدولي والمحلي منظمة الأمم المتحدة، إلى وضع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد عام 2003، وذلك بغرض تنسيق الجهود الدولية المتعلقة بمكافحة الفساد، ووضع وتعزيز النظم الوطنية الكفيلة بذلك.
وقد اتخذنا في قطر العديد من الخطوات الهامة للتجاوب مع الجهود الدولية في هذا السبيل، فبادرنا إلى التصديق على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، كما اتخذنا العديد من الخطوات لوضع هذه الاتفاقية موضع التنفيذ.
وكان من أولى هذه الخطوات، إنشاء اللجنة الوطنية للنزاهة والشفافية التي حرصنا على أن نوفر لها كافة المقومات، التي تسمح لها بأداء مهمتها بموضوعية واستقلالية كاملتين.
وقد احتلت دولة قطر مركزاً متقدماً بين الدول في مكافحة الفساد، في التصنيف العام لمنظمة الشفافية الدولية عامي 2007 و2008. كما جاءت الأولى عربياً في هذا الخصوص.
السيدات والسادة،
إن كلمتي هذه لا تتسع، ولم أرد لها أن تتناول الموضوع المطروح عليكم بشيء من الإسهاب، كما أن الجوانب المختلفة لمشكلة الفساد ستكون محل دراساتكم ومداولاتكم في هذا المنتدى والمنتديات التالية، إلا أنني أريد أن أركز على مسألة واحدة، أرى أنها من الأهمية بمكان. ألا وهي الأبعاد الدينية والثقافية والأخلاقية لمشكلة الفساد.
فما لم نعمل على بناء الإنسان الواعي والمنتج والمستنير بالقيم الدينية والأخلاقية، والمدرك لواجبات المواطنة وحقوقها، ستظل جهودنا قاصرة عن تحقيق غايتها المنشودة، ما لم نعمل على أن يدرك المواطن والمسؤول معنى الشعور بالواجب واحترام الصالح العام والخير العام ومعايير الوظيفة فإن عملية مكافحة الفساد تبقى عملية جنائية مرتبطة بقدرة القضاء والنيابة على الإمساك بالفاعلين.
ولعل من أهم العوامل وراء تلك المرتبة المتقدمة، التي حققتها دولة قطر في تصنيف منظمة الشفافية الدولية، طبيعة المجتمع القطري، وتمسكه بالقيم الأخلاقية، ومبادئ الدين الإسلامي الحنيف، الذي يؤكد على حرمة المال العام، وعدم استغلال الوظيفة العامة للمصالح الشخصية، وتهمه سمعة الفرد الاجتماعية ويحض على النزاهة والبعد عن الشبهات، فضلاً عن دور المؤسسات التربوية والتعليمية في تنشئة الأجيال الصاعدة على هذه القيم والتقاليد.
الحضور الكرام،
إننا إذ نقدر جهدكم القيم، الذي ما فتئتم تبذلونه في هذا المجال، لنثق في أن ما تتوصلون إليه من نتائج وتوصيات في هذا المنتدى، سيكون إضافة هامة في سعينا جميعاً إلى وضع الحلول المناسبة لهذه الآفة، التي أصبحت تقف حجر عثرة في سبيل التقدم الإنساني، وتوفير الحياة الكريمة لشعوب العالم قاطبة.
وفي ختامي كلمتي إليكم، أتمنى لأعمال مؤتمركم ومداولاتكم النجاح والتوفيق، كما أتنمى لكم طيب الإقامة في قطر.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.